هناك جاذبية خاصة تحيط بأمين راضي، أشبه بجمر هادئ يشتعل بصمت، أو شرارة ماكرة تلمع في عينيه حتى في اللحظات التي لا يُلقي فيها نكتة. وُلد أمين في مدينة الدار البيضاء النابضة بالحياة، تلك المدينة التي لا تهدأ، ولم يكن طريقه نحو المسارح العالمية مرصوف بالبريق أو مدفوع بطموحات ضخمة كما قد يتوقع البعض. بل على العكس، بدأت حكايته، وبشكل يكاد يكون ساخرًا، داخل أروقة شركة محاسبة فرنسية، حيث الهدوء الخانق وروتين الأرقام.
“كنتُ ذلك الشخص الذي يُلقي النكات دائمًا خلال الاجتماعات الجادة ليحافظ على رباطة جأشه”، يضحك، متذكرًا أيامه الأولى المُحاطة بجداول البيانات والتوتر. “في أحد الأيام، أضحكتُ مديري بتقليده بدلًا من تقديم تقرير. ضحك… ثم طردني. حينها أدركتُ: ربما لم تكن الأرقام جزءًا من قدري – لكن الضحك كان حتمًا قدرًا لي.”
تلك اللحظة الواحدة، الغريبة في شاعريتها، فتحت له باب المستقبل على مصراعيه، ومنذ ذلك الحين، لم يلتفت أمين راضي إلى الوراء. اليوم، ومع ملايين المتابعين الذين ينتظرون كل نكتة يطلقها بشغف، وعروض كاملة العدد في قارات متعددة، بات يُعد من بين أكثر الأصوات تجددًا وصدقًا في مشهد الكوميديا المعاصر. لكن ما يميز أعماله ليس مجرد خفة الظل أو إتقان الإلقاء، بل كونها مستمَدّة من تجارب معيشة، مشاعر صادقة، ولحظات خام من الحياة اليومية لم تمسها التجميلات.
يقول أمين، مسترجعًا إحدى اللحظات التي لا تُنسى: “كنتُ في جنازة ذات مرة”، ويتوقف برهة قصيرة، وكأنّه يمنح المستمع وقتًا لاستيعاب غرابة الموقف. ثم يتابع بابتسامة خفية: “ليس المكان الذي تتوقع أن تجد فيه كوميديا، بالطبع. لكن أحدهم قال شيئًا محرجًا بشكل غير مقصود، وكان طريفًا إلى درجة أنني اضطررت أن أعضّ لساني كي لا أنفجر ضحكًا. تلك اللحظة، التي بدت عابرة، تحولت لاحقًا إلى عرض كوميدي كامل”. ثم يضيف بنبرة صادقة: “الكوميديا لا تعترف بالحدود… فهي تتسلل إليك من حيث لا تتوقع”.
سواء كان يتناول بتعليقاته الساخرة تعقيدات العلاقات العائلية المغربية، أو يسلّط الضوء على المعاناة المشتركة داخل مكاتب الهجرة المرهِقة، فإن فكاهة أمين راضي تصيب الهدف لأنها تنبع من واقع حقيقي، من تجارب صادقة وغير مصطنعة. وربما تكون هذه الصراحة تحديدًا هي ما يمنح عروضه طابعًا خاصًا، فتبدو وكأنها لقاءات حميمة أكثر منها عروضًا مسرحية، وكأنه، بطريقة ما، يتحدث بلغتك أنت بالذات حتى لو كنت في مدغشقر، التي كانت، نعم، واحدة من أكثر محطاته المفاجئة والمفعمة بالضحك.
“الفكاهة عالمية عندما تنبع من واقع الحياة”، يوضح أمين. “يتفاعل الناس مع الحقيقة – أينما كانوا”.
تتجذر تلك الحقيقة، بالنسبة لأمين، بعمق في الدار البيضاء. يقول: “في الدار البيضاء، كل حديث يبدو وكأنه عرض ستاند أب… الشوارع، الفوضى، الشتائم الذكية. هناك، تتعلم أن تكون سريعًا، فكاهيًا، وحقيقيًا، وإلا فلن تنجو”. مدينته ليست مجرد مكان للعيش، بل هي مصدر إلهام له.
ومع كل الشهرة والإعجاب الذي يحظى به على منصات التواصل الإجتماعي، يظل أمين راضي متواضعًا بشكل مدهش في الحاضر. هو من نوع الأشخاص الذين، قبل أن يعتلي خشبة المسرح، يخصص خمس دقائق وحده للصلاة. يقول: “إنها لحظة لأركز فيها وأذكر نفسي لماذا أفعل هذا. بعدها أبتسم، وأصعد على المسرح وكأنها المرة الأولى، وأدع الطاقة تتدفق”.
وماذا يحدث عندما تنغلق الستار؟
“عندما تنطفئ الأضواء ويخلو المسرح، يصبح أمين راضي مجرد شخص عادي، يصلي، يتصل بأمه، ويعيد شريط الليلة في ذهنه لا ليغرق في التصفيق، بل ليطمئن إذا كان قد جعل يوم أحدهم أخفّ قليلًا. هو ممتن، أحيانًا مرهق، وغالبًا غارق في تأملاته… لكنه دائمًا ثابت في حبه، وإيمانه، وهدفه.”
لا يدعي أمين أنه فهم كل شيء في الحياة. لكن في عالمٍ قد يبدو ثقيلاً للغاية، يعتقد أنه وجد نوره، وهو كريمٌ بما يكفي ليشاركه معنا، نكتةً تلو الأخرى.