القاهرة تستقبل نوع من الموسيقى يتسرب عبر شقوق جدرانها ويسري في أروقتها وقاعاتها الموسيقية، وقد وجدت هذه الموسيقى العديد من المستمعين المعجبين بها وخاصة من الجيل الجديد المستعد لتقبل طعم جديد من الموسيقى. وقد شهدت مصر تحولا جذريا في ساحة الموسيقى في السنوات الأخيرة، فلا شك أن المجموعة الجديدة من الفنانين الصاعدين يتميزون بكونهم ملهمون ومبدعين و فريدين من نوعهم. لقد وجدوا صوتهم، ولديهم قصصًا يريدون أن يروونها. اتخذت الموسيقى المنتَجة أشكالا جديدة وجسدت أنواعا وأساليبا موسيقية غير تقليدية. في هذا العصر الجديد من الموسيقى، كل أغنية لها مملكتها الخاصة، وكل فنان له عالمه الخاص.
اليوم، تقوم نساء مصر بثورة في مجال الموسيقى. ولشعورنا بالانبهار بالشجاعة التي تتطلبها المغامرة بالخوض في المجهول كامرأة مبدعة في هذه المنطقة، نسلط الضوء على بعض النساء المصريات اللاتي كن لهن أكبر الأثر بل ويمكننا القول بأنهن زلزلن المشهد الموسيقى.
دينا الوديدي: المنفتحة سياسيا والمتنوعة موسيقيا
تعد دينا الوديدي حجر أساس في الساحة الموسيقية المصرية. وقد قدمت هذه الفنانة في بداية ظهورها عام 2011 مشهدًا موسيقيًا سياسيًا اجتماعيًا صادقًا يتميز بالوضوح والجرأة بالنسبة لذلك الوقت. تغني الوديدي معبرة عن مشقات المرأة بشكل لا مثيل له؛ فأسلوب روايتها الواقعي بالإضافة إلى لغتها العربية البليغة وموسيقاها الجذابة هدية لكل امرأة مصرية في كل مكان.
مهدت هذه الفنانة الطريق للنساء العربيات في مجال الموسيقى، حيث قدمت شكلًا جريئًا شجاعًا لتعبير المرأة عن نفسه بأسلوب يتميز بالثقة والتحدي بشكل لم نشهده من قبل في المنطقة .ولهذا السبب، تظل دينا الوديدي نقطة تحول للمرأة في مجال الموسيقى . تروي أغنيتها “العرس” قصة أمرأة تتزوج وتحمل رغمًا عنها، وهكذا تتناول أحد الموضوعات الخاصة بالمرأة في الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق.
انضمت الوديدي مؤخرًا إلى مجموعة من الموسيقيين للمشاركة في اغنية “راجعين” وهو نشيد عربي عاطفي يعبر عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. سيتم التبرع بجميع عائدات هذا الأغنية – الذي يشترك به 25 فنان من جميع دول المنطقة – سواءا عائدات الأغنية أو الفيديو إلى صندوق إغاثة الأطفال الفلسطينيين.
دنيا وائل: الرقص، الإبهار، و الم
تعد دنيا وائل نقطة التقاء بين أنواع الموسيقى المختلفة؛ فهي تدمج بين موسيقى R&B والإيقاع المصري لتنتج لنا مزيجًا غريبًا مميزًا. ويمنحها أسلوبها الموسيقي الذي لا يزال قيد التجربة تفوقًا غيرعادي يجعلها تتميز بشكل مبدع خلَّاق عن الآخرين.
أغنيتها الأخيرة “بيكيا” هي نتاج تعاون بينها وبين المنتج “الوايلي”. تتناول الأغنية التي قوبلت بترحيب كبير من الجمهور موضوعات الوجودية من خلال التشكيك في العالم حولنا. وموسيقى وائل مرحة واستكشافية. وهي تبدو كأنها سهرة مع الأصدقاء وفي نفس الوقت تبدو كرحلة طويلة بالسيارة وحدك في ليلة ممطرة وأنت تتساءل عن كل شيء. و هي هذه الازدواجية التي تسمح لموسيقاها أن تطفو حولك حاملة حياة خاصة بها ومتخذة أشكالا جديدة وهي تخلق هوية تخص الفنانة وحدها.
تهويدات من غرفة أخرى: للا فضة
لا شك أن المطربة للا فضة لغز داخل وخارج مجال الموسيقي. وصوت هذه المطربة العذب الهاديء الخام هو ما يميزها عن أقرانها من مطربي هذا الجيل.
تجلب فضة حالة من الصدق للمشهد الموسيقي جديدة على العالم العربي وتعد موسيقاها نقطة التقاء بين الفطرة والبساطة. في بداية عملها في مجال الموسيقى، لاحظت الفنانة نقصًا في الشفافية في المشهد العربي عندما يتعلق الأمر بالموسيقى. حيث تقول فضة في إحدى مقابلاتها الصحفية: «قد يكون الفنان متزوجًا وسعيدًا في حياته الزوجية، ومع ذلك يغني عن الحزن وانكسار القلب. إنهم لا يغنون عما يعيشونه بالفعل، وأنا أريد أن أفعل ذلك، أن أكون صادقة في عملي».
ومنذ ذلك الحين عملت الفنانة على تحقيق هذا، فقدمت لجمهورها أغاني مثل “بتشوفني ازاي” و “الدنيا بتاعتي” اللتان ناقشت فيهما عواطفها ومشاعرها. إن بساطة كلمات فضة تأخذ العقل بحق، فهي تصيغ الخبرات المعقدة في صورة بسيطة وهذا ما يجعل سماع أغانيها تجربة تهز المشاعر والوجدان.
جونو: جريئة وقوية ومبهر
تعتبر المطربة المصرية جونو واحدة من أكثر نقط التحول المحورية في الموسيقى المصرية في السنتين الأخيرتين. وفي مجتمع يقدر الاتحاد في الرأي أكثر من أي شيء آخر؛ تتميز جونو بشكل واضح؛ من موسيقاها إلى ملابسها، كل شيء بها مختلف ومميز؛ فبقصة شعرها، ومكياجها القوي الغريب وملابسها الجريئة اللافتة للنظر، يمكننا القول بأن هذه الفنانة لا تخجل من أن تكون مركز الاهتمام ومحط الأنظار.
وجدت المطربة طريقها دون أي جهد في مشهد موسيقى الأندرجراوند، ومن المستحيل عدم ملاحظتها. وأغنيتها “The Power of She” أغنية من نوع موسيقى الجاز الناعمة كأنها تأتي رأسا من فيلم كويدي رومانسي يرجع إلى الخمسينات من الأفلام التي نعشقها. تصاحب صوت المطربة السماوي الرقيق في هذه الأغنية موسيقى الجيتارات المرحة والكلمات الاحتفالية المبهجة لتصبح نشيدًا يبعث على السعادة والبهجة نعشقه جميعا.
سمر طارق: إعادة إحياء الفولكلور المصري
تستدعي سمر طارق الثقافة المصرية بطريقة مبهرة تأخذ العقل، فموسيقاها تخلط الموسيقى الفولكلورية المصرية بمسحة حديثة تعيد إحياء الأسلوب الموسيقي الذي نعشقه. تلك الموسيقى التي دائما ما كان يدندنها لنا أجدادنا قد وجدت نفسها في نسيج مذهل من الحداثة في أعمال طارق. إنه ذلك النوع من الأعمال التي ينبهر ويعجب به محبو الموسيقى الحريصون على متابعة كل جديد على الساحة بحثا عن موسيقى جديدة مثيرة.
إن صوت المطربة الشجي والكلمات العاطفية يتكاملان في أغانيها وكأنها قد خلقت للغناء ولا شئ غيره. وتعد أغنيتها “مسافات” مثالا رائعا على ذلك، حيث تستكشف في هذه الأغنية حالة الاضطراب العاطفي بينها وبين الأشخاص من حولها بعد الانفصال.
التطلع إلى الأمام: الثورة موسيقية في مصر
كما هو الحال مع كل عصر فني جديد، نجد الموسيقى المصرية في الوقت الحالي لا تزال قيد التجربة وجديدة تماما على مسامعنا. هؤلاء النساء اللاتي يصنعن هذه الموسيقى قد خطون خطوات واسعة في صنع الموسيقى الحقيقية التي تعبر عن تجاربهن الخاصة والتي ترتبط ارتباطا وثيقًا بما يمررن به من تجارب دون النظر إلى مدى غرابة هذه الموسيقى بل وفي بعض الأحيان إثارتها للجدل بالنسبة للبعض. ففي عالم الفن لا يمكن أن تحدث ثورة في ظل المعايير المتفق عليها، دائما يكون قدوم الثورة مرتبطًا بالاستمتاع والابتعاد عن الثوابت وهدم الأنظمة القديمة. وهذا ما فعلته دينا ودنيا وللا وجونو وسمر لبدء عصر جديد من الموسيقى.